يجلس العميد حسن عبدالحميد على سريره فى مستشفى المعادى العسكرى، يروى حكاية حرب أكتوبر وإصابته وفترة علاجه الطويلة وتحديه للمرض.
حكاية العميد حسن تكشف عن إصرار شديد وحب للحياة، بدأت برفضه الاستسلام للإصابة، التى استدعت بقاءه فى المستشفى غالبية عمره، وقراره بممارسة حياته بشكل طبيعى مع الالتزام بالعلاج فى المستشفى، ويروى قصة زواجه من الفتاة، التى عقد قرانه عليها قبل الحرب وإنجابه ولداً وبنتاً، والتحاقه بشركة المقاولون العرب، وممارسته هوايته فى صيد السمك وقيادته سيارة مجهزة.
تبدأ حكاية «حسن» من كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، عندما كان فى الفرقة الثانية وقت النكسة، وانضمامه مع طلاب الكلية إلى «كتائب مقاتلة» للدفاع الشعبى عن الشركات والكبارى والأماكن الحيوية بالإسكندرية. واصل «حسن» دراسته، وحصل على بكالوريوس هندسة الكهرباء بتفوق، والتحق بالكلية الفنية العسكرية بعد تخرجه ليصبح أحد ضباط الدفعة، التى ضمت 7 جامعيين، وبدأت الدراسة سبتمبر 1969، وتخصص فى المعدات الكهربائية والعدادات والأجهزة الإلكترونية للطائرات بالكلية الفنية.
وبعد مرور 3 شهور على الدراسة، وتحديداً فى صباح يوم 15 ديسمبر 1969، تلقى أمراً، مع آخرين، بتسليم مهماته وإخلاء طرفه من الكلية وتسليم المجموعة كاملة إلى المخابرات الحربية، التى نقلتهم فى سرية تامة، ودون إخطارهم بأى شىء، إلى الكيلو4.5، وهناك أخبروهم أنهم مرسلون إلى بعثة سرية للتدريب على سلاح. وظل هذا السلاح مجهولاً لهم على مدى 3 أيام، قضوها فى الكيلو 4.5. وبعد فحوصات طبية وبدنية، نقلت المجموعة بنفس السرية، إلى الإسكندرية، وصعدوا إلى سفينة روسية أبحرت بهم إلى الاتحاد السوفيتى.
وأشار «حسن» إلى أن وقتها كان عمره 22 سنة، وانقطعت علاقته بأهله لمدة سنة كاملة، تلقى خلالها تدرباً على أيدى رجال الدفاع الجوى الروسى، بهدف بناء سلاح الدفاع الجوى.
وخلال العام، الذى قضاه «حسن» فى الاتحاد السوفيتى، كانت القوات المسلحة تبنى دشم قواعد الصواريخ والرادارات ووحدات التحكم فى الصواريخ، استعداداً لوصول البعثة. يقول «حسن»: «جئنا من روسيا ومعنا المعدات التى تدربنا عليها، لبناء أول منظومة دفاع جوى، وتأسيس قواعد الصواريخ استعداداً ليوم العبور».
فى عام العبور كان «حسن» الرجل الثانى فى نقطة الصواريخ المضادة للطائرات فى «سرابيوم» بالإسماعيلية، وكان شهر سبتمبر قد انتهى، وأعلنت القوات المسلحة حالة الاستنفار.
يضيف «حسن»: حضر إلينا قائد اللواء الذى نتبعه، مساء يوم 5 أكتوبر 73، وجمع قادة الوحدة داخل غرفة العمليات وإذا به يقول (الحرب بكرة يا رجالة)، هنأ بعضنا البعض، مرددين هتاف (الله أكبر الله أكبر). وما بين يومى 6 و16 أكتوبر قامت الوحدة بعملها على أكمل وجه وألحقت خسائر كبيرة بالعدو.
ومع تطوير الهجوم المصرى لتخفيف الضغط على الجبهة السورية يوم 14 أكتوبر، نقلت الوحدات المدرعة، التى تولت حماية وحدة صواريخ سرابيوم، إلى شرق القناة واستغلت القيادة الإسرائيلية تطوير الهجوم وحدثت الثغرة.
ومع دخول الدبابات الإسرائيلية من الدفرسوار، كان جنود سرابيوم، المكلفون بحراسة وتأمين الموقع، يبلغون وحدة التحكم، الموجودة تحت الأرض، بمرور دبابات معادية على بعد عدة كيلومترات من القاعدة، ومر اليوم على خير، إلا أن وجود القاعدة فى منطقة زراعية، محاطة بالأشجار، منع القوات الإسرائيلية من ملاحظتها.
واختلفت الأوضاع فى سرابيوم، يوم 17 أكتوبر. وأوضح «حسن»: (فى الساعة الثالثة من فجر اليوم التالى، صدرت الأوامر بوقف المحطة لمدة ساعة، حتى تستريح الأجهزة والمعدات، مع استمرار كل منا فى مكانه، تحسباً لرفع الحالة، وظهور أهداف فى أى لحظة. وقبل التوقف أجريت جميع الاختبارات الوظيفية للمحطة، للتأكد من أن الأجهزة والمعدات تعمل بحالة جيدة، لتكون جاهزة للاشتباك فى أى لحظة. وحال إجراء آخر اختبار للمحطة، للكشف عن الأهداف على سطح الأرض، أو الأهداف الجوية المتسللة بين المرتفعات الشرقية، وجدت طائرات هليكوبتر على ارتفاع منخفض جداً، فى منطقة الدفرسوار، تتبعت أقربها، وتأكدت أنها هليكوبتر نقل جنود ومعدات معادية.
جهزنا الصواريخ فى حالة استعداد أول، وأبلغت القائد أننى سوف أطلق صاروخاً لتدميرها، وأعطيت الأوامر لقائد سرية مدفعية الرشاشات، المخصصة لحمايتنا من الأهداف المنخفضة، من خلال خط الأرضى الميدانى.
وكان الظلام شديداً، ولم نستطع رؤية الأهداف، وطالبت قائد السرية بتجهيز الرشاشات للإطلاق، وانتظار الأوامر والبيانات من عندى.
وتحولت السماء إلى جحيم، فوق منطقة الدفرسوار، وابتعد الهدف الذى كنت أتتبعه على الشاشة، عن مرمى نيران الرشاشات، وفى هذه اللحظة أطلقت أول صاروخ، ووصل إلى طائرة العدو ودمرها فى الحال، أخذت باقى الأهداف تبتعد بأسرع مما كانت عليه، وتتبتعها وأطلقت الصواريخ بهدف تدمير أكبر عدد ممكن).
فى ذلك اليوم دمر «حسن» 5 طائرات هليكوبتر معادية، محملة بأعداد كبيرة من الجنود والأسلحة والدبابات، كانت تحاول الإبرار فى منطقة الدفرسوار.
يقول «حسن»: «بعدها مباشرة اتصل بنا قائد الفرقة داخل كابينة القيادة، وأبلغنا أن المراقبة بالنظر أبلغت عن تدمير عدد من هليكوبتر العدو فوق منطقة الدفرسوار. ورد عليه الزملاء بأن (حسن) اشتبك مع أكبر عدد من الهليكوبتر، ورد القائد: (بلغوه شكرى وتقديرى حتى ألقاه)، وأثناء ذلك وصلت إشارة إلى القائد، بأن الكتيبة محاصرة، وطالبنا بالانسحاب فى أسرع وقت، بأقل خسائر.
ولم يبلغ القائد أحداً من الضباط بهذه الإشارة، وكان تفسيره للموقف فيما بعد، أنه كان خائفاً من حدوث بلبلة وخفض معنويات الرجال، وخاصة بعد الفرحة والمعنويات العالية عقب تدمير الهليكوبتر، وأمر بعدم إطلاق المزيد من الصواريخ، وبعد قليل من الراحة، خرجت إلى الدشمة لتفقد الضباط والجنود، واطمأنيت على المعدات، واكتشفت أن اهتزاز معنويات الضباط، بعد علمهم بأن الصواريخ مقيدة، وأننا محاصرون. والتزم بعضهم الصمت».
فى هذه الأثناء كان القدر يخبئ لـ «حسن» إصابة سوف تبقيه فى مستشفى المعادى العسكرى إلى نهاية حياته، ويقول «حسن»: «عندما لاحظت قلق الضباط، أبلغتهم بأننا بخير ومنتصرون، ويجب أن نصمد. وبدأنا فى صيانة الأجهزة بالمحطة، انتظاراً لأوامر عودة الصواريخ للاشتباك مرة أخرى. وطالبتهم بالخروج من الدشم، وأبلغتهم أننى سوف أبدأ بنفسى، وأتوضأ خارج الدشمة لأصلى الضحى، وكانت الساعة التاسعة و45 دقيقة تقريباً، أمرت الجندى مسعد رزق، بإحضار الزمزمية والفوطة للوضوء خارج الدشمة.
ووصلت إلى أول المدخل على سطح الأرض، وتأملت الموقع من الخارج، وفجأة سمعت صوتاً فى السماء، فنظرت لأجد طائرة فانتوم تقذف القاعدة، ولم أشعر بنفسى إلا وأنا ملقى على الأرض فى مدخل الدشمة. وإذا بى أسمع الجنود من الداخل يصرخون بصوت مرتفع الرائد حسن مصاب، وحملونى إلى داخل الدشمة، بينما القنابل تنفجر من حولى، ما أدى الى استشهاد أحدهم».
نقل «حسن» مع مصابى يومى 17 و18 أكتوبر، بأتوبيس إسعاف إلى مستشفى المعادى العسكرى، ومنه إلى فرنسا وإنجلترا. وهناك عرف من الأطباء أنه لن يمشى على قدميه مرة أخرى.
ويتابع: «سافرت إلى فرنسا وخضعت لعدد كبير من العمليات الجراحية، إلا أن الأطباء قالوا لى بصراحة، إننى لن أتمكن من المشى مرة أخرى، وأنه علىّ التكيف مع الحياة على كرسى متحرك. ووقتها اتخذت قراراً بأن كل حاجة كنت بعملها وأنا سليم أعملها وأنا مصاب، ومهمنيش الإصابة».
فى مستشفى المعادى ترقى «حسن» حتى خرج على المعاش برتبة «عميد»، وساعدته العناية الكبيرة التى يتلقاها على أن يقوم ببعض الأعمال فى الفترات التى كان يسمح له فيها بمغادرة المستشفى، فعمل فى شركة المقاولون العرب لفترة ومارس هوايته فى الصيد وقاد سيارة مرسيدس مجهزة، وساهم مع جيهان السادات فى إنشاء «جمعية الوفاء والأمل» لمصابى الحرب، الذين أصيبوا فى العمود الفقرى، وحاول نقل خبرته فى الحياة والتعايش مع الألم للمصابين، وأنهى الجزء الأول من مذكراته غير المنشورة، التى أهدى «المصرى اليوم» نسخة منها.
فى الخامس والعشرين من أكتوبر الجارى، يتم العميد «حسن» 66 عاماً قضى معظمها داخل المستشفى، ومازال يرفض الاستسلام للإصابة، ويصر على مساعدة غيره من المصابين.
وعندما سألناه عن كيفية قضائه الوقت فى المستشفى خلال الفترة الأخيرة قال: «بحاول أستغل الوقت، من خلال التواصل مع إدارة المستشفى. وبطلب منهم إقامة ندوات للمعاقين، أستهدف منها نقل خبرة 40 سنة إعاقة وقعدة على الكرسى المتحرك».
العميد «وجدى».. عبر إلى سيناء وأصيب فى «مصيدة التو» ويعيش بـ4 شظايا فى الرئة
40 عاماً لم يغادر، السيد وجدى، مستشفى المعادى للقوات المسلحة، سوى لقضاء بعض المصالح الضرورية والزيارات، بما يتناسب مع حالته الصحية.
40 عاماً من الإصابة جعلته يعتاد الحياة داخل المستشفى منفرداً، بلا زوجة أو أولاد، لم يتبق له سوى زيارات الأهل والأصدقاء، والرضا بقضاء الله، وفخره ببطولاته.
قبل حرب أكتوبر مباشرة كان الملازم أول السيد وجدى، يؤدى واجبه فى الجيش الثالث، قائداً لإحدى الوحدات المدرعة مع زملائه من «القادة الأصاغر».
تلقى «وجدى» مع زملائه الأوامر برفع حالة الاستعداد قبل الحرب بـ 10 أيام، دون إخطارهم بأى تفاصيل. وفى صباح 6 أكتوبر، تلقى أوامر بالاستعداد للعبور.
يقول «وجدى»: «عرفت بساعة العبور، صباحاً، وكان يطلق عليها (الساعة سين). ومع عبور أول طائرة فى الثانية إلا خمس دقائق، بدأ الجنود فى الهتاف والتكبير بأقصى ما يستطيعون. كانوا يريدون أن يسمعهم الطيارون».
ويوضح، أنه شارك فى خطة تطوير الهجوم، لافتاً إلى أن اليهود حصلوا من أمريكا على الصاروخ التو، وعملوا (مصيدة التو)، وأصيب مباشرة فى سيناء، بسبب انفجار دانة من مدفعية بعيدة، أصابته بـ 13 شظية، أدت إلى قطع فى النخاع الشوكى، وشلل نصفى سفلى، وتمركزت 4 شظايا فى الرئة لم يستطع الأطباء إخراجها حتى الآن.
وبعد الإصابة نقلونى فى مدرعة إسعاف مع مصابين، إلى الضفة الغربية من القناة، ومنها إلى السويس ثم مستشفى المعادى فى رحلة استغرقت 48 ساعة.
رحلة علاج «وجدى» لم تقتصر على مصر، فسافر للعلاج على نفقة الدولة فى فرنسا وإنجلترا وأمريكا، مضيفاً فى البداية كنت بسافر على نقالة، دلوقتى ممكن أحرك أجزاء من جسمى لكن الإصابة أوقفت النصف السفلى والجانب الشمال من جسمى تماماً، وأغلب العمليات التى أجريتها، كانت للتأهيل، لأن الأطباء أخبرونى بأننى سوف أمارس حياتى من فوق كرسى متحرك، ورغم أننى خضت التأهيل على الوضع الجديد، إلا أن الإصابة تستلزم فحص مستمر، ما يستدعى وجودى فى المستشفى.
امتنع «وجدى» عن الحديث عن حياته داخل المستشفى، واكتفى بقوله: «أنا قضيت 40 سنة كاملة، إقامة داخل المستشفى، والرضا بقضاء الله هو اللى بيخلينى أكمل حياتى، رغم أى إصابة. التزمت القوات المسلحة بواجباتها تجاه «وجدى» وإقامته فى مستشفى المعادى العسكرى، حتى الآن. وسمحت له قوانينها بأن يظل فى الخدمة والحصول على ترقياته حتى خروجه على المعاش برتبة عميد، ومازال مقيماً بالمستشفى.
حكاية العميد حسن تكشف عن إصرار شديد وحب للحياة، بدأت برفضه الاستسلام للإصابة، التى استدعت بقاءه فى المستشفى غالبية عمره، وقراره بممارسة حياته بشكل طبيعى مع الالتزام بالعلاج فى المستشفى، ويروى قصة زواجه من الفتاة، التى عقد قرانه عليها قبل الحرب وإنجابه ولداً وبنتاً، والتحاقه بشركة المقاولون العرب، وممارسته هوايته فى صيد السمك وقيادته سيارة مجهزة.
تبدأ حكاية «حسن» من كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، عندما كان فى الفرقة الثانية وقت النكسة، وانضمامه مع طلاب الكلية إلى «كتائب مقاتلة» للدفاع الشعبى عن الشركات والكبارى والأماكن الحيوية بالإسكندرية. واصل «حسن» دراسته، وحصل على بكالوريوس هندسة الكهرباء بتفوق، والتحق بالكلية الفنية العسكرية بعد تخرجه ليصبح أحد ضباط الدفعة، التى ضمت 7 جامعيين، وبدأت الدراسة سبتمبر 1969، وتخصص فى المعدات الكهربائية والعدادات والأجهزة الإلكترونية للطائرات بالكلية الفنية.
وبعد مرور 3 شهور على الدراسة، وتحديداً فى صباح يوم 15 ديسمبر 1969، تلقى أمراً، مع آخرين، بتسليم مهماته وإخلاء طرفه من الكلية وتسليم المجموعة كاملة إلى المخابرات الحربية، التى نقلتهم فى سرية تامة، ودون إخطارهم بأى شىء، إلى الكيلو4.5، وهناك أخبروهم أنهم مرسلون إلى بعثة سرية للتدريب على سلاح. وظل هذا السلاح مجهولاً لهم على مدى 3 أيام، قضوها فى الكيلو 4.5. وبعد فحوصات طبية وبدنية، نقلت المجموعة بنفس السرية، إلى الإسكندرية، وصعدوا إلى سفينة روسية أبحرت بهم إلى الاتحاد السوفيتى.
وأشار «حسن» إلى أن وقتها كان عمره 22 سنة، وانقطعت علاقته بأهله لمدة سنة كاملة، تلقى خلالها تدرباً على أيدى رجال الدفاع الجوى الروسى، بهدف بناء سلاح الدفاع الجوى.
وخلال العام، الذى قضاه «حسن» فى الاتحاد السوفيتى، كانت القوات المسلحة تبنى دشم قواعد الصواريخ والرادارات ووحدات التحكم فى الصواريخ، استعداداً لوصول البعثة. يقول «حسن»: «جئنا من روسيا ومعنا المعدات التى تدربنا عليها، لبناء أول منظومة دفاع جوى، وتأسيس قواعد الصواريخ استعداداً ليوم العبور».
فى عام العبور كان «حسن» الرجل الثانى فى نقطة الصواريخ المضادة للطائرات فى «سرابيوم» بالإسماعيلية، وكان شهر سبتمبر قد انتهى، وأعلنت القوات المسلحة حالة الاستنفار.
يضيف «حسن»: حضر إلينا قائد اللواء الذى نتبعه، مساء يوم 5 أكتوبر 73، وجمع قادة الوحدة داخل غرفة العمليات وإذا به يقول (الحرب بكرة يا رجالة)، هنأ بعضنا البعض، مرددين هتاف (الله أكبر الله أكبر). وما بين يومى 6 و16 أكتوبر قامت الوحدة بعملها على أكمل وجه وألحقت خسائر كبيرة بالعدو.
ومع تطوير الهجوم المصرى لتخفيف الضغط على الجبهة السورية يوم 14 أكتوبر، نقلت الوحدات المدرعة، التى تولت حماية وحدة صواريخ سرابيوم، إلى شرق القناة واستغلت القيادة الإسرائيلية تطوير الهجوم وحدثت الثغرة.
ومع دخول الدبابات الإسرائيلية من الدفرسوار، كان جنود سرابيوم، المكلفون بحراسة وتأمين الموقع، يبلغون وحدة التحكم، الموجودة تحت الأرض، بمرور دبابات معادية على بعد عدة كيلومترات من القاعدة، ومر اليوم على خير، إلا أن وجود القاعدة فى منطقة زراعية، محاطة بالأشجار، منع القوات الإسرائيلية من ملاحظتها.
واختلفت الأوضاع فى سرابيوم، يوم 17 أكتوبر. وأوضح «حسن»: (فى الساعة الثالثة من فجر اليوم التالى، صدرت الأوامر بوقف المحطة لمدة ساعة، حتى تستريح الأجهزة والمعدات، مع استمرار كل منا فى مكانه، تحسباً لرفع الحالة، وظهور أهداف فى أى لحظة. وقبل التوقف أجريت جميع الاختبارات الوظيفية للمحطة، للتأكد من أن الأجهزة والمعدات تعمل بحالة جيدة، لتكون جاهزة للاشتباك فى أى لحظة. وحال إجراء آخر اختبار للمحطة، للكشف عن الأهداف على سطح الأرض، أو الأهداف الجوية المتسللة بين المرتفعات الشرقية، وجدت طائرات هليكوبتر على ارتفاع منخفض جداً، فى منطقة الدفرسوار، تتبعت أقربها، وتأكدت أنها هليكوبتر نقل جنود ومعدات معادية.
جهزنا الصواريخ فى حالة استعداد أول، وأبلغت القائد أننى سوف أطلق صاروخاً لتدميرها، وأعطيت الأوامر لقائد سرية مدفعية الرشاشات، المخصصة لحمايتنا من الأهداف المنخفضة، من خلال خط الأرضى الميدانى.
وكان الظلام شديداً، ولم نستطع رؤية الأهداف، وطالبت قائد السرية بتجهيز الرشاشات للإطلاق، وانتظار الأوامر والبيانات من عندى.
وتحولت السماء إلى جحيم، فوق منطقة الدفرسوار، وابتعد الهدف الذى كنت أتتبعه على الشاشة، عن مرمى نيران الرشاشات، وفى هذه اللحظة أطلقت أول صاروخ، ووصل إلى طائرة العدو ودمرها فى الحال، أخذت باقى الأهداف تبتعد بأسرع مما كانت عليه، وتتبتعها وأطلقت الصواريخ بهدف تدمير أكبر عدد ممكن).
فى ذلك اليوم دمر «حسن» 5 طائرات هليكوبتر معادية، محملة بأعداد كبيرة من الجنود والأسلحة والدبابات، كانت تحاول الإبرار فى منطقة الدفرسوار.
يقول «حسن»: «بعدها مباشرة اتصل بنا قائد الفرقة داخل كابينة القيادة، وأبلغنا أن المراقبة بالنظر أبلغت عن تدمير عدد من هليكوبتر العدو فوق منطقة الدفرسوار. ورد عليه الزملاء بأن (حسن) اشتبك مع أكبر عدد من الهليكوبتر، ورد القائد: (بلغوه شكرى وتقديرى حتى ألقاه)، وأثناء ذلك وصلت إشارة إلى القائد، بأن الكتيبة محاصرة، وطالبنا بالانسحاب فى أسرع وقت، بأقل خسائر.
ولم يبلغ القائد أحداً من الضباط بهذه الإشارة، وكان تفسيره للموقف فيما بعد، أنه كان خائفاً من حدوث بلبلة وخفض معنويات الرجال، وخاصة بعد الفرحة والمعنويات العالية عقب تدمير الهليكوبتر، وأمر بعدم إطلاق المزيد من الصواريخ، وبعد قليل من الراحة، خرجت إلى الدشمة لتفقد الضباط والجنود، واطمأنيت على المعدات، واكتشفت أن اهتزاز معنويات الضباط، بعد علمهم بأن الصواريخ مقيدة، وأننا محاصرون. والتزم بعضهم الصمت».
فى هذه الأثناء كان القدر يخبئ لـ «حسن» إصابة سوف تبقيه فى مستشفى المعادى العسكرى إلى نهاية حياته، ويقول «حسن»: «عندما لاحظت قلق الضباط، أبلغتهم بأننا بخير ومنتصرون، ويجب أن نصمد. وبدأنا فى صيانة الأجهزة بالمحطة، انتظاراً لأوامر عودة الصواريخ للاشتباك مرة أخرى. وطالبتهم بالخروج من الدشم، وأبلغتهم أننى سوف أبدأ بنفسى، وأتوضأ خارج الدشمة لأصلى الضحى، وكانت الساعة التاسعة و45 دقيقة تقريباً، أمرت الجندى مسعد رزق، بإحضار الزمزمية والفوطة للوضوء خارج الدشمة.
ووصلت إلى أول المدخل على سطح الأرض، وتأملت الموقع من الخارج، وفجأة سمعت صوتاً فى السماء، فنظرت لأجد طائرة فانتوم تقذف القاعدة، ولم أشعر بنفسى إلا وأنا ملقى على الأرض فى مدخل الدشمة. وإذا بى أسمع الجنود من الداخل يصرخون بصوت مرتفع الرائد حسن مصاب، وحملونى إلى داخل الدشمة، بينما القنابل تنفجر من حولى، ما أدى الى استشهاد أحدهم».
نقل «حسن» مع مصابى يومى 17 و18 أكتوبر، بأتوبيس إسعاف إلى مستشفى المعادى العسكرى، ومنه إلى فرنسا وإنجلترا. وهناك عرف من الأطباء أنه لن يمشى على قدميه مرة أخرى.
ويتابع: «سافرت إلى فرنسا وخضعت لعدد كبير من العمليات الجراحية، إلا أن الأطباء قالوا لى بصراحة، إننى لن أتمكن من المشى مرة أخرى، وأنه علىّ التكيف مع الحياة على كرسى متحرك. ووقتها اتخذت قراراً بأن كل حاجة كنت بعملها وأنا سليم أعملها وأنا مصاب، ومهمنيش الإصابة».
فى مستشفى المعادى ترقى «حسن» حتى خرج على المعاش برتبة «عميد»، وساعدته العناية الكبيرة التى يتلقاها على أن يقوم ببعض الأعمال فى الفترات التى كان يسمح له فيها بمغادرة المستشفى، فعمل فى شركة المقاولون العرب لفترة ومارس هوايته فى الصيد وقاد سيارة مرسيدس مجهزة، وساهم مع جيهان السادات فى إنشاء «جمعية الوفاء والأمل» لمصابى الحرب، الذين أصيبوا فى العمود الفقرى، وحاول نقل خبرته فى الحياة والتعايش مع الألم للمصابين، وأنهى الجزء الأول من مذكراته غير المنشورة، التى أهدى «المصرى اليوم» نسخة منها.
فى الخامس والعشرين من أكتوبر الجارى، يتم العميد «حسن» 66 عاماً قضى معظمها داخل المستشفى، ومازال يرفض الاستسلام للإصابة، ويصر على مساعدة غيره من المصابين.
وعندما سألناه عن كيفية قضائه الوقت فى المستشفى خلال الفترة الأخيرة قال: «بحاول أستغل الوقت، من خلال التواصل مع إدارة المستشفى. وبطلب منهم إقامة ندوات للمعاقين، أستهدف منها نقل خبرة 40 سنة إعاقة وقعدة على الكرسى المتحرك».
العميد «وجدى».. عبر إلى سيناء وأصيب فى «مصيدة التو» ويعيش بـ4 شظايا فى الرئة
40 عاماً لم يغادر، السيد وجدى، مستشفى المعادى للقوات المسلحة، سوى لقضاء بعض المصالح الضرورية والزيارات، بما يتناسب مع حالته الصحية.
40 عاماً من الإصابة جعلته يعتاد الحياة داخل المستشفى منفرداً، بلا زوجة أو أولاد، لم يتبق له سوى زيارات الأهل والأصدقاء، والرضا بقضاء الله، وفخره ببطولاته.
قبل حرب أكتوبر مباشرة كان الملازم أول السيد وجدى، يؤدى واجبه فى الجيش الثالث، قائداً لإحدى الوحدات المدرعة مع زملائه من «القادة الأصاغر».
تلقى «وجدى» مع زملائه الأوامر برفع حالة الاستعداد قبل الحرب بـ 10 أيام، دون إخطارهم بأى تفاصيل. وفى صباح 6 أكتوبر، تلقى أوامر بالاستعداد للعبور.
يقول «وجدى»: «عرفت بساعة العبور، صباحاً، وكان يطلق عليها (الساعة سين). ومع عبور أول طائرة فى الثانية إلا خمس دقائق، بدأ الجنود فى الهتاف والتكبير بأقصى ما يستطيعون. كانوا يريدون أن يسمعهم الطيارون».
ويوضح، أنه شارك فى خطة تطوير الهجوم، لافتاً إلى أن اليهود حصلوا من أمريكا على الصاروخ التو، وعملوا (مصيدة التو)، وأصيب مباشرة فى سيناء، بسبب انفجار دانة من مدفعية بعيدة، أصابته بـ 13 شظية، أدت إلى قطع فى النخاع الشوكى، وشلل نصفى سفلى، وتمركزت 4 شظايا فى الرئة لم يستطع الأطباء إخراجها حتى الآن.
وبعد الإصابة نقلونى فى مدرعة إسعاف مع مصابين، إلى الضفة الغربية من القناة، ومنها إلى السويس ثم مستشفى المعادى فى رحلة استغرقت 48 ساعة.
رحلة علاج «وجدى» لم تقتصر على مصر، فسافر للعلاج على نفقة الدولة فى فرنسا وإنجلترا وأمريكا، مضيفاً فى البداية كنت بسافر على نقالة، دلوقتى ممكن أحرك أجزاء من جسمى لكن الإصابة أوقفت النصف السفلى والجانب الشمال من جسمى تماماً، وأغلب العمليات التى أجريتها، كانت للتأهيل، لأن الأطباء أخبرونى بأننى سوف أمارس حياتى من فوق كرسى متحرك، ورغم أننى خضت التأهيل على الوضع الجديد، إلا أن الإصابة تستلزم فحص مستمر، ما يستدعى وجودى فى المستشفى.
امتنع «وجدى» عن الحديث عن حياته داخل المستشفى، واكتفى بقوله: «أنا قضيت 40 سنة كاملة، إقامة داخل المستشفى، والرضا بقضاء الله هو اللى بيخلينى أكمل حياتى، رغم أى إصابة. التزمت القوات المسلحة بواجباتها تجاه «وجدى» وإقامته فى مستشفى المعادى العسكرى، حتى الآن. وسمحت له قوانينها بأن يظل فى الخدمة والحصول على ترقياته حتى خروجه على المعاش برتبة عميد، ومازال مقيماً بالمستشفى.
تعليقات
إرسال تعليق