وبدأت المطاردة..
يفرّ على صهوة جواده، وخلفه مَن امتطى جوادا، أو قفز فوق بعيره، وآخر على حماره، ومنهم مَن لا يملك هذا ولا ذاك، لكنه قرّر أن يُشارك في المطاردة على قدميه.
هذا الأخير خطف الأبصار، فلا يوجد بشري يتحمّل مشاق الركض السريع لعشرات الكيلومترات كالجياد، وهو يعلم ذلك، لكنّ هدفه كان أكبر من أي تعب، وأعظم من حياته ذاتها.
لن يتوقّف، سيستمرّ ويسابق الريح، هو يشعر بدنوّ الهدف، ها قد اقترب، اختفى البعير والجواد اللذان شاركاه المطاردة، والهارب يختفي في الأفق، يقترب حثيثا من هدفه، يتحسّس خطواته يشعر بريح الجنة تُداعب روحه.
لم ييأس.. لم يمل.. لم يقيّم قوته قياسا على الجياد، وإنما تقييمه كان على الهدف.. الجنة.
بدأ الأمر حينما تجسّس شخص على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب في صحابته؛ فجاءه الوحي يُخبره بوجود جاسوس يفر، فقال النبي: "مَن يأتيني به وله الجنة".
تسابقت الخيول والجمال، وشاركهم الصحابي الجليل سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- ركضا على ساقيه، الجميع يعرف أن الله زاده بسطة في الجسم، وآخرون يصفون كفيه بأنهما أشبه بـ"خف الجمل".. يعلمون أنه يُسابق الخيل ويسبقها، لكنّ أحدا لم يتوقّع أن يستمر في الركض حتى يلحق بخيول الجواسيس؛ فالجواد تتحمّل ما لا يتحمّله البشر في هذا المضمار.
بالفعل سبق الجياد التي انطلقت بجواره، لكن جواد الجاسوس اختفى؛ فاقتفى أثره.. استمرّ.. أنفاسه تكاد تطبق على صدره، وقلبه يتقافز في صدره كأنه سيخرج بعد ثوانٍ، خارت قواه.. كاد يسقط مغشيا عليه، أراد أن يسلم جسده للراحة، لكنها رياح الجنة داعبت أنفه؛ فهبّ واقفا من جديد يُتابع أثر الجاسوس.
ولأنه اجتهد واستمرّ؛ فوجد الجاسوس يستظلّ بشجرة؛ فوقع عليه وهو يقول له "قُمْ يا جنتي"، وجاء به للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو ينشد: "أنا سلمة بن الأكوع.. أغلب ذوات الأربع".
نخلص من الأمر.. شخص امتلك مواهب تتمثّل في بنية قوية وسرعة في الركض.. استمرّ في صقل مواهبه بالتدريب المستمر.. خطّط للوصول إلى هدفه بلزوم النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل وتقرّب إلى الله حتى جاءت اللحظة الفاصلة؛ فاستغل مواهبه ومهاراته حتى ضمن الجنة.
إنك تملك كل ما يُؤهلك لتحقيق هدفك.. عقل واحد فقط كالباقين.. ومواهب كالآخرين.. وهذا كل ما تحتاج إليه.. اخترْ هدفا يكون فقط في قدرتك.. قمْ بكتابة هدفك، ثمّ اعمل على أن تقوم بتحقيقه في المستقبل.
حدّد هدفك واستمرّ في السعي له بكل قوتك.. اصقل مواهبك ودرّب نفسك.. وكنْ على يقين أن الفرصة ستأتيك فتمسّك بها، وسيوفّقك الله عزّ وجل.. حقيقة أثبتتها كل تجارب التنمية البشرية.
تعليقات
إرسال تعليق